فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
وحين يقول المولى سبحانه وتعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} نقول: أنه لا يوجد لغير الله اسم يوصف بأنه من الحسنى، إن قلت عن إنسان إنه كريم، فهذا وصف، وكذلك إن قلت إنه حليم، وكلها صفات عارضة في حادث، ولا تصير أسماء حسنى إلا إذا وصف الله بها. فأنت- مثلا- لك قدرة تفعل أفعالًا متعددة، ولله قدرة، لكن قدرتك حادثة من الأغيار، بدليل أنها تسلب منك لتصير عاجزًا، أما قدرة الله تعالى فلها طلاقة لا يحدها شيء. فهي قدرة مطلقة. وأنت قد تكون غنيًا، لك غنى، ولله غنى، لَكنّ ثراءك محدود، وأمَّا غنى الله فإنه غير محدود.
إذن الأسماء الحسنى على إطلاقها هي لله، وإن وجدت في غيره صارت صفات محدودةً مهما اتسعت. {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا}.
والحسنى.. تأنيث لكلمة الأحسن اسم تفضيل، وهي الأسماء الحسنى في صلاحية الألوهية لها، وصلاحيتها للألوهية. وحين تقول عنه سبحانه: إنه رحيم، فهذا أمر أحسن عندي وعندك لأنني أنظر إلى رحمته لي، وأنت تنظر إلى رحمته لك. وحين تقول: غفار فأنت وأنا وكل من يسمعها تعود عليه.
وحين تقول: قهّار وأنت مذنب ستخاف، وهي صفة حسنى بالنسبة للإله؛ لأن الإله لابد أن تكون له صفات جمال وصفاتُ جلال، فصفات الجمال لمن أطاع، وصفات الجلال لمن عصى. ولذلك لا تأخذ النعم بمدلولها عندك، بل خذ النعم بمرادات الله تعالى فيها.
وساعة يتكلم الحق سبحانه وتعالى قائلا: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثقلان * فبأي آلاء رَبِّكُمَا تكذبان * يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 31- 36].
فهل إرسال الشواظ من النار والنحاس نعمة يقول بعدها: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}؟
نقول: نعم، هي نعمة كبيرة، لأنه سبحانه وتعالى ينبهنا قبل أن توجد النار، أن النار قوية، ويعطي لك نعمة العظة والاعتبار. وعظته وتنبيهه- إذن- قبل أن توجد النار نعمة كبرى، وأيضًا هي نعمة بالنسبة للمقابل، فحين يطيعه المؤمنون في الدنيا ويلزمون أنفسهم بمنهج الله، فلهم ثواب حق الالتزام، والمقابل لهم الذين لم يلتزموا وأخذوا الخروج عن المنهج غاية، يتوعدهم سبحانه بالعقاب، وهذه نعمة كبرى. {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا}.
والحق سبحانه وتعالى عرفنا اسمه بالبلاغ منه، لأننا قد نعرف مسماه من القوى القادرة وهي التي تعرف بالعقل، لكن العقل لا يقدر أن يعرف الاسم. وسبق أن قلت: لنفترض أن أناسًا يجلسون في حجرة ثم طرق الباب. هنا يجمع الكل على أن طارقًا بالباب، لكن حين دخلوا في التصور اختلفوا، فواحد يقول: إن الطارق رجل، فيرد الآخر: لا إنها امرأة لأن نقرتها خفيفة، ويقول ثالث: هذه النقرة على الباب تأتي من أعلاه وهي دليل على أن الطارق ضخم، وهو نذير لأنه يطرق بشدة، ويختلف تصور كل الحضور عن الطارق، ولا أحد يعرف اسمه.
إذن حين تريد أن تعرف من الطارق، فأنت تسأله من أنت؟ فيقول لك اسمه.
إذن فإن الاسم لا يدرك بالعقل. ومن خلق الخلق كله قوي، قادر، حكيم، عليم، لأن عملية الخلق تقتضي كل هذا. أما اسم الله. فهذه مسألة لا يعرفها العقل وتحتاج إلى توقيف. إذن فأسماء الله تبارك وتعالى توقيفية، فحين يقول لنا: هذه أسمائي فإننا ندعوه بها، وما لم يقل لنا عليه لا دعوة لنا به، ولذلك يقول تعالى: {فادعوه بِهَا}.
فإذا أنت نقلت هذا إلى غيره. فأنت تدعو بالأسماء الحسنى سواه، مثلًا كذاب اليمامة مسيلمة سمى نفسه الرحمن، وبذلك ألحد في اسم الله حيث نقل أحد أسماء ربنا إلى ذاته، ومثله فعل غيره، ألم يسموا اللات من الله؟. ألم يسموا العزّى من العزيز؟. ألم يسموا مناة من المنان؟. كل هؤلاء ألحدوا في أسماء الله التي لا ندعو غيره بها، ولذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله في دعآئه: «اللهم أني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همي وذهاب حزني وغمي».
إذن فهذه الأسماء وضعها ربنا لنفسه، لأنها لا تعرف بالعقل. أما إذا نظرت إلى الأوصاف المبدعة للخلق فأنت تتعرف على هذه الأوصاف؛ لأنه تعالى خلق الكون بحكمة وتدبير وقدرة. وأضرب هذا المثل- ولله المثل الأعلى- نحن نؤسس مصانع كثيرة وكبيرة لتصنع المصابيح، فنصنع زجاجًا ونفرغه من الهواء، ونضع داخله أسلاكًا تتحمل ذبذبة الكهرباء، وبعد استخدام هذه المصابيح لفترة تفسد، بينما الشمس تضيء الكون كل هذا العمر، من بدء الخلق، ولا تحتاج منا إلى قطعة غيار.
وحين نقول هو: حكيم، نقولها ونرى أثر ذلك في حركة الكواكب التي تسير منسجمة، وكل كوكب يدور في فلكه ولا يصطدم بآخر، وهذا دليل على أن الكواكب قد خلقت بحكمة.
وينبهنا الحق سبحانه وتعالى أن ندعوه بالأسماء الحسنى في قوله: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} لأنه يريد من خلقه دائمًا أن يذكروه؛ لأنه هو الرب الذي خلق من عَدَم، وأمد من عُدْم.
وصان الخلق بقيوميتة، وحين تأتي لك حاجة وجب عليك أن تذكر أسماء الله الحسنى وتنادي الله بها، وحين تريد أن تتقرب إلى الله لا تناديه إلا بالاسم الذي وضعه لنفسه وهو الله، لأن هذا هو اسم علم على واجب الوجود، وأسماء الله الحسنى كلها صفات وصلت إلى مرتبة الأسماء، وهناك أسماء تدل على مجموع الصفات.
ولله المثل الأعلى: أنت تقول: زيد فيعرف السامع أن هذا اسم علم على شخص اسمه زيد، ثم له صفات أخرى، كأن يكون تاجرًا، أو عالمًا متفقها في العلم، أو مهندسًا. لكن الاسم العلم هو زيد وهو الذي لا يشترك معه أحد من معارفك فيه وهو زيد، لكن الصفات الأخرى قد يشترك معه فيها غيره.
والأسماء لله نوعان، اسم يدل على ذات الله، الذات المجردة عن أي شيء وهو الله، ولكن هناك صفات لله مثل الرحمن والرحيم والملك والقدوس والسلام والمؤمن والمهيمن، وهذه صفات ارتقت في السمو والعلو لأنه لا أعلى منها، حتى أصبحت إذا أطلقت إطلاق الكمال الأعلى لا تنصرف إلا لله. فصارت أسماء.
قد نقول فلان غني، وفلان كريم، وفلان حكيم، لكن الغنى على إطلاقه هو لله تعالى.
والأسماء الحسنى ناشئة من صفات مبالغة في العلو فيها، لأنه سبحانه الأكمل فيها وهي في الأصل صفات لها متعلقات فعلية، وهذه نوعان اثنان: نوع يطلق على الله منها اسم ومقابله، ونوع يطلق عليه الاسم ولا يطلق عليه المقابل، ونأتي بصفة شبيهة بالاشتقاق، فنقول: غني، ونقول: مغني فهو غني في صفة ذاته قبل أن يوجد من يُغنيه، ومغني وجدت بعد وجود من يُغنيه من عباده، وسبحانه حي في ذاته، ومحيي لغيره، والإحياء صفة فعل في الغير. ولابد لها من مقابل، فنقول: محيي ومميت. ولم نقل حي ومقابله، الغير. إذن فالاسم الذي ترى له مقابلًا هو صفات الفعل، أما صفات الذات فهي التي لا يوجد لها المقابل. ويلحدون في أسماء الله أي يُميلونها إلى غير الله وينقلها الواحد منهم لغير الله أو يأتي باسِم للغير ويطلقه على الله، أو يطلق اسمًا ليس له معنى أو لا يُفهَم منه أي معنى على الله. إذن الإلحاد يأتي في ثلاثة أشياء: إما أن ينقل أحد أسماء الله إلى غير الله، أو يأتي باسم للغير ويطلقه على الله، أو يطلق اسمًا لله من غير أن يكون قد أنزله الله توقيفيًا. {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
ونعلم أن العمل هو اسم للحدث من أي جارحة؛ فنطق اللسان عمل، وشم الأنف عمل، ونعلم أن هناك ما يسمى بقول وفعل، والفعل عمل الجوارح ما عدا اللسان؛ والقول عمل اللسان، والاثنان يطلق عليهما عمل، ولذلك يقول الحق: تبارك وتعالى في سورة الصف:
{لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الآية: 2].
إذن فالقول مقابله الفعل، والجزاء هنا على الفعل والقول لأن كليهما عمل.
وإذا كان لله أسماءُ كثيرةٌ، فهل يجوز هنا لنا أن نأخذ من فعل الله في شيء اسمًا له؟ وخصوصًا انه القائل: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسماء كُلَّهَا...} [البقرة: 31].
وهو القائل أيضًا: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ...} [النساء: 113].
هل يمكن أن نقول: إن الله معلم؟ وهل يصح أن نأخذ من قوله: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 16].
اسمًا هو كائد؟
لا يجوز ذلك لأن أسماء الله توقيفية، وإن رأيت فعلًا منسوبًا لله فقف عند الفعل فقط ولا تأخذ منه اسمًا لله تعالى. اهـ.

.التفسير المأثور:

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}.
أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو عوانة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو عبد الله بن منده في التوحيد وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر».
وأخرج أبو نعيم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله مائة اسم غير اسم، من دعا بها استجاب الله له دعاءه».
وأخرج الدارقطني في الغرائب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: لي تسعة وتسعون اسمًا من أحصاها دخل الجنة».
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة غير واحد، من أحصاها دخل الجنة».
وأخرج الترمذي وابن المنذر وابن حبان وابن منده والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارىء، المصور، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدىء، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، البر، التوّاب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك، الملك، ذو الجلال والإِكرام، الوالي، المتعال، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور».